Friday, April 17, 2015

كيف تغير مفهوم البطولة بمرور الزمن

 كان مفهوم البطولة في الماضي يدور حول محور ما  يسمى بصراع البقاء
كان الأخذ بالقوة بطولة والإسترداد بالقوة بطولة

كان ذلك في زمن القبائل والمستعمرات والإمبراطوريات ، ثم بتفتت الإمبراطوريات وإستقلال المستعمرات ، تغير مفهوم البطولة ليتمركز حول العناد في تحدي الفساد والسلطة من أجل الإصلاح السياسي و الإقتصادي والإجتماعي ومن أجل الحرية  والديمقراطىة والعدالة داخل المجتمعات. ولكن ما أن طالت الحرية إقتصاديات السوق وبإنتشار العولمة والليبرالية ثم النيوليبرالية في القرن العشرين ، حتى بدأت الأنظار تتحول بعيداً عن بطولات الساسة ورجال الحرب إلى بطولات رجال الإقتصاد ، فبدأت البطولة تتمركز حول التنمية الإقتصادية وجمع الأموال والتحكم في إقتصاديات العالم وصار التعليم - الجيد منه والرديء - يتمحور حول التأهل لتحقيق التنمية.

صار المستثمر الذي يحرك قيم السوق و يخلق فرص للعمل ويتحكم في آليات الإفتصاد هو البطل المنشود ، مع الديمومة النظرية لإنتظارالثائر المصلح


واليوم بعد أن بدأنا ندرك أن صراع البقاء الحقيقي هو صراع من أجل بقاء جنس البشر بأكمله والحياة على الأرض ، وأدركنا أن علينا أن نجد طريقاً للبقاء معاً أو الزوال جميعاً بلا رجعة ; بعد أن أدركنا أن التنمية وحدها تستنفذ موارد الأرض وتؤدي إلى تلوث الهواء والماء والغذاء وتغير المناخ وإنقراض الكائنات الحية التي يرتبط وجودنا بوجودها من خلال منظومة الإتزان البيئي ، يتغير مفهوم البطولة مرة أخرى. أرى بطل اليوم هو المستثمر الإجتماعي والفنان الذي يخاطب بفنه مواطن الحق والخير والجمال والمعلم المبدع القادرعلى توصيل قبمة إنسانية راقية من خلال تدريس العلوم والعالم الناشط مجتمعياً وأخيراً الكاتب الثائر القادر على التواصل الإجتماعي والتلامس مع آلام وإحتياجات البشر الحقيقية غيرعابيء بما يلاقيه من إضطهاد ، بشرط أن تتسق رسالته مع ذاته ومعاملاته الظاهرة ، وهنا مربط الفرس

وحتى لا يظن البعض أني أتحدث عن المستقبل أو عن مجتمع غير المجتمع ، لا يسعني إلا ذكر الفنان االجميل محمد صبحي كمثال يصعب الإختلاف عليه. فمن منا لم يستمتع بأعماله الراقية في مجملها وإن حملت رسالة تربوية ثقيلة تشبه الوصايا العشرة (لا تكذب ، لا تشتهى مالقريبك ...) في بداية كل حلقة من مسلسل يوميات ونيس ، مع العلم أن هذا النوع من النصح المباشر لا يكون مقبولاً إلا من شخص إتسقت تصرفاته العامة مع ما يدعو إليه من قيم ، وأراه اليوم أيضاً يواصل عطاؤه مجتمعياً بجانب عطاءه الفني الرائع.

...



 رأيت هنا في المملكة المتحدة ظاهرة تعجبت لها كثيراً وهي ظاهرة "صندوق الأمانة" ، فبعض الأماكن التي تقدم خدمات عامة لا يقف فيها موظفاً لتحصيل مقابل الخدمة بل صندوق مفتوح بغير أي نوع من الرقابة تضع فيه ما يتيسر لك من مال بحسب تقديرك ولك أن تأخذ باقي ما دفعت أيضاً. ومع أنني لم أصادفها كثيراً لكن أذهلني وجودها الذي ينم عن الثقة في قدرة الخير على الإنتصار في معركة الحياة. والعجيب أن ترى الصندوق ممتليءً بالنقود وأن من يضعونها من جميع الجنسيات.
 
ربما يأتي وقت لا نحتاج فيه لأبطال فيصير المجتمع بأسره، بقيمه وقوانينه و تكاتف أفراده بطلاً - وقد لا يأتي -  لكن علينا دائماً مواصلة المحاولة والتغيير. 

No comments:

Post a Comment